إدارة ثقافة أم ثقافة إدارة ؟
Posté par alger-culture le December 03 2011 07:58:05
الإدارة الثقافية في الجزائر.. أسئلة الكفاءة

28.11.2011/الفجر

PARTIE 1/2...

يرى الباحث في الإدارة الثقافية، ميشيل آرمسترونغ، أن إدارة الثقافة هي تطوير وتدعيم ثقافة المؤسسة كي تصبح ثقافة ملائمة وفعالة قادرة على تحقيق أهدافها، من خلال تدعيم الثقافة الفعالة للمؤسسة أو تغير الثقافة غير الفعالة فيها، من خلال تحليل وتشخيص يتم تطبيقه باستخدام وسائل التدعيم والتغيير اللازمة. وتختص إدارة الثقافة بعمليات التغيير الثقافي، أي تطوير المواقف والمعتقدات والقيم التي تتلاءم مع رسالة المؤسسة واستراتيجيتها ومناخها وتكنولوجياتها. ويهدف من هذا التغيير الثقافي إحداث تغييرات شاملة في المناخ التنظيمي وأسلوب الإدارة، وأسلوب التصرف الذي يساند المؤسسة مساندة إيجابية لتحقيق أهدافها، كما تختص بتدعيم ثقافة المؤسسة وجعلها ثقافة لها فاعليتها، من خلال مساعدة المؤسسة على التكيف بنجاح مع التغيير، وإجراء التغييرات اللازمة التي تشمل النظم والإجراءات وأساليب إدارة العمل، كما تقوم أيضا بتدعيم الالتزام أي تقوية أفراد المؤسسة للالتزام برسالتها واستراتيجيتها وقيمها. انطلاقا من هذه القاعدة ارتأينا أن نفتح العدد الجديد من "الملحق الثقافي"، للحديث عن كل ما يتعلق بتسيير الإدارة الثقافية في الجزائر، حيث طرحنا إشكالية حول الإدارة الثقافية في الجزائر كيف ينظر إليها الفاعلون فيها ومن برأيهم المخول لهذه الإدارة، وهل تعتمد على نفس العناصر في إدارة المهرجانات مثلا، بالإضافة إلى الحديث عن إمكانية وجود تكوين في هذا المجال...

حياة.س/صاوس.ب

"لا توجد إدارة ثقافية، بل هناك إدارة تقليدية لا تستجيب لمتطلبات الثقافة"

مخلوف بوكروح

باحث في الإدارة الثقافية

^ إذا ما نظرنا إلى الجانب التكويني للإدارة الثقافية في الجزائر، فأنا أعتقد بأننا لا نمتلك إدارة ثقافية لأن الإدارة في هذا المجال أصبحت معروفة ومطبقة بالممارسة، ففي الوقت الذي يعطى فيه عبر العالم الأولوية لهذا النوع من التسيير وتمنح عناية خاصة للإدارة في جميع الحقول المعرفية بما فيها الحقل الثقافي، لا تزال الجزائر بعيدة عن هذا الاهتمام، ونحن اليوم في عصر ما يعرف بالمناجمنت الأقرب إلى التدبير، وهذا الأخير يتعلق بجميع الميادين بما فيها جانب التدبير المنزلي، الاقتصادي وحتى شؤون الحياة اليومية، وبالنظر إلى هذه الزاوية فالجزائر لم تدرك بعد أهمية الإدارة الثقافية وربما يعود السبب إلى أنها لا ترى أن هذه الأخيرة تحتاج إلى تدبير، دون أن تدرك بأن العمل مهما كان نوعه سواء كان مسرحيا أو فنيا هو بحاجة إلى تدبير وتسيير فهي السمة الوحيدة التي تدفع بالقطاع إلى التقدم ومسايرة التغيرات، وبالرجوع إلى واقع الثقافة والفنون في الجزائر، أعتقد أن إحدى المشكلات الأساسية مصدرها غياب التدريب الثقافي كما يرجعه بعض القائمين على الشؤون الثقافية إلى غياب التكوين في هذا المجال ونقص الموارد المالية وعليه يكون المردود الثقافي لا يشرف الثقافة بالمعنى الذي يوازي الدور الذي تلعبه هذه الأخيرة، المشكل لا يكمن في هل توجد إدارة أم لا؟ وإنما الغياب الكلي لها فالمفهوم الذي يقول بأن هناك سوء تسيير خاطئ لأنه في الحقيقة لا يوجد تسيير على الإطلاق، وما هو موجود في الجزائر هو إدارة تقليدية ومتخلفة ولا تستجيب لمتطلبات الشؤون الثقافية، لأن هناك فرقا بين إدارة مؤسسة ثقافية وإدارة مؤسسة اقتصادية لأننا نتعامل مع منتوج معنوي أو بالأحرى رمزي وهذا يحتاج الى موهبة وكفاءة معينة ومهارة خارقة وكذلك لأن الادارة الثقافة هي عملية ابتكارية، وأي مشروع ثقافي يتطلب استراتيجية تختلف على أي استراتيجية أخرى تتماشى مع أي تدخل استعجالي.

أما عن المخول بتسيير المؤسسات الثقافية فذلك حسب رأيي يتطلب توفر مواصفات معينة منها الاستعداد لإدارة العمل الثقافي، الثقافة الواسعة والإلمام بكل الشؤون الثقافية عدا عن ضرورة توفر المؤهلات الإدارية، إلى جانب ذلك ضرورة احتكامه إلى الخبرة والتجربة وصقلها بالتكوين، وهنا يجب الإشارة إلى نوعين من الكوادر المسيرة لهذا الحقل فهناك الفنانون الذين تولوا إدارة المؤسسات الثقافية وهذا النوع قد ينجح في اختيار عمل مسرحي أو فني، لكنه يكون بعيدا عن معايير التسيير الإداري ويتعلم بالتجربة، نوع آخر من الكوادر هم الإداريون الذين تولوا تسيير حقل ثقافي معين فهؤلاء قد ينجحون في تطبيق القوانين الصارمة لدرجة وصفهم بالبيروقراطيين لكنهم بالمقابل قد يخفقون في الجانب الفني وعليه فالشرط الأساسي لنجاح التسيير الإداري الثقافي هو المعرفة الإدارية والإلمام بالشؤون الثقافية على حد سواء.

وفيما يخص التكوين في مجال التسيير الثقافي فالأكيد أنه لا يوجد تكوين في هذا الصدد ولذلك فهي ضرورة ملحة لاستحداث تكوين في هذا التخصص ولو على شكل مواد تدرس في الكليات التي تهتم بالماناجمنت، ونحن لا ننكر أن معهد برج الكيفان وقسم المسرح بجامعة وهران يقومان بفترات تدريبية قصيرة ومستمرة وتخضع العاملين في القطاع الثقافي إلى تكوين خاص يمس الجمعيات والمسارح وغيرها من أجهزة الثقافة لكننا بحاجة إلى رسكلة شاملة للقطاع الثقافي، المشكل لا يكمن في هل توجد إدارة أم لا؟ وإنما الغياب الكلي لها فالمفهوم الذي يقول بأن هناك سوء تسيير خاطئ لأنه في الحقيقة لا يوجد تسيير على الإطلاق، وما هو موجود في الجزائر هو إدارة تقليدية ومتخلفة ولا تستجيب لمتطلبات الشؤون الثقافية، لأن هناك فرقا بين إدارة مؤسسة ثقافية وإدارة مؤسسة اقتصادية لأننا نتعامل مع منتوج معنوي أو بالأحرى رمزي وهذا يحتاج الى موهبة وكفاءة معينة ومهارة خارقة وكذلك لأن الادارة الثقافية هي عملية ابتكارية وأي مشروع ثقافي يتطلب استراتيجية تختلف عن أي استراتيجية أخرى تتماشى مع أي تدخل استعجالي.

"هناك إدارة ثقافية لكنها تعاني من فيروس البيروقراطية"

لخضر بن تركي

مدير الديوان الوطني للثقافة والإعلام

أكيد أن الإدارة الثقافية موجودة في الجزائر ولكن السؤال الذي يجب أن يطرح هل أدت هذه الإدارة واجبها كما ينبغي؟ فهذا هو المشكل وحتى من يشهر بغياب الإدارة الثقافية له الحق في قول ما يشاء لكن الواقع غير هذا، فالحقيقة أن الإدارة لا ترتبط بالثقافة لأن الإدارة لكل مساره المميز وحقيقته الخاصة، فالحديث عن الإدارة يربط دوما بإدارة البلدية أو الولاية أو ما شابه لكن الإدارة الثقافية لها شكل آخر، والمؤسسات الثقافية هي ضحية القوانين في الجزائر التي سيرت الثقافة بقوانين المؤسسة الصناعية غير أن الحقيقة غير ذلك لأن قطاع الثقافة يجب أن تكون له خصوصية ووجهة أخرى لأن معايير الإدارة الثقافية يجب أن تخلق لخدمة المجتمع، وأنا أعتقد أن الثقافة ليست قضية رمزية بل هي هوية، وهو ما يوصف بالإجحاف القانوني في حق الثقافة لأن هذه الأخيرة لا يمكنها العمل بقوانين المؤسسات الصناعية والتجارية لأن الثقافة لا تباع ولا تشترى، ومشكل الإدارة الثقافية هو البيروقراطية فمجرد برمجة محاضرة يتطلب وثائق وملف والمرور بالمراقب المالي ومنه إلى الخزينة العمومية وهو ما يجعل المؤسسة الثقافية أقرب إلى الملحقة الإدارية منه إلى المؤسسة الثقافية، وعليه فمحاسبة الإدارة الثقافية يقودنا إلى طرح سؤال هل وفرنا لهذه الإدارة الشروط اللازمة حتى تكون المحاسبة عادلة، ويبقى الصراع متواصلا في ظل القوانين التي لم تميز بين الإدارة الثقافية وغيرها من أنواع التسيير الأخرى، فمثلا الأمي الذي يؤلف آلاف القصائد هل يصنف على أنه مثقف أم لا؟ وما هي المعايير التي نحتكم اليها؟ فالمشكل الحقيقي هنا هو غياب القوانين التي تحدد العمل الثقافي، وهل يخضع الـ48 مدير ثقافة على مستوى الولاية إلى معايير وقوانين تحكم عمله كقيم على الشؤون الثقافية، فالأكيد أن الاجابة لا. للإشارة، أغلب الأعمال الفنية لسنوات السبعينيات خرجت من الجامعة سليمان بن عيسى وكذا آيت منقلات، تاقراولة وأسماء أخرى، المسرح أيضا فكاتب ياسين كان يتعامل مع طلبة جامعيين، وأضيف في هذا الصدد أنه حتى الإعلام شارك في الرداءة ودفع أناسا جهلاء إلى الواجهة.

أما فيما يخص الشخص المخول بالإدارة الثقافية فأعتقد أن هذا مرتبط بظروف العمل فإذا كان الطريق معبدا للعمل نستطيع تحديد أهلية الشخص للمنصب، لأن الجدارة ترتبط بالمناخ المناسب للعمل فلا يمكن زراعة أرض دون أمطار، غير أن العمل الثقافي مرتبط بحب الابداع أولا ثم التفرغ الكلي له بالإضافة إلى التضحية وفتح المجال لكل المبدعين دون استثناء لأن الحكم النهائي للجمهور والبقاء للأفضل سواء تعلق الأمر بالكتاب، اللوحات الفنية، المسرح وغيرها من فروع الثقافة. وأستغرب هنا اللغة التي أصبحت متداولة على مستوى الشارع وحتى في أوساط المثقفين والتي ربطت الثقافة بمصطلح "الشطيح والرديح" وهنا أعطي مثالا بسيطا، محمد الأخضر السائحي يكتب قصيدة يلحنها شريف قرطبي ويغنيها الهادي رجب فنطلق على الأول أديب والثاني ملحن أما الثالث فنربطه بمصطلح "شطيح ورديح" فهذا حسب رأيي الجهل بذاته.

وفيما يخص تسيير المهرجانات، أنا أعتقد أن كل هذه المحافل الجزائرية هي في فترة تربص لأنه في العالم بأسره كل المهرجانات تخص المشاركين بجوائز إلا في الجزائر فالمشارك يشارك لمجرد المشاركة، ونحن لم نصل بعد الى تقييم نجاح مهرجان عن آخر لأننا نتطلع دوما للأفضل ويوم نصل إلى مرحلة يعرض فيها المبدع مشاركته ولا نسعى نحن إليه ليفرض علينا شروطه، وعند بلوغ هذه الدرجة يمكن الحديث عن نجاح مهرجاناتنا الثقافية والتسيير الإداري الفعال لها، أما اليوم فهذه المهرجانات تعيش فترة مخاض والبقاء للأفضل والاستمرارية هي مؤشر النجاح وجزء من التحدي، فالتسيير في الجزائر لم يعط الأهمية للمجال الثقافي رغم أن المنتجات الاقتصادية تباع بإبداع ثقافي لكننا لم نصل للحديث عن التكوين في التسيير الثقافي والجزائر لاتزال بعيدة عن مقاييس الإدارة الثقافية الكفاءة، بالإضافة إلى الديماغوجية والأنانية والسبب هو أن المدرسة لم تعد تقدم ثقافة والجامعة كذلك، وعقدة الجزائري أنه يرى كل ما ينتجه الغرب ثقافة ماعدا ما تنتجه الجزائر رغم أن التراث الجزائري ملم بكل المناطق فهو يضم الافريقي، الآسيوي، المشرقي، العربي، البربري الأمازيغي لكن المشكل أننا لم نحسن تقييم أنفسنا ورفع ثقافتنا، فهذه الأخيرة تكمل كل شيء ويجب أن يبنى عليها ما يبنى على الصحة والتربية وغيرها من الميادين.

عبد القادر بن دعماش

محافظ مهرجان الأغنية الشعبية

إذا ما تحدثنا عن الوزارة والمؤسسات فلابد أن تتوفر إدارة وكل ما يتعلق بالإمكانيات المالية والتأسيس القانوني لكل عمل ثقافي بصفة عامة لأن كل الأفكار الثقافية تجسد عن طريق الإعداد والتسيير الذي لا نقصد به التسيير المباشر للأموال الذي تختص به المؤسسات ذات الطابع التجاري مثل المسرح الوطني و الديوان الوطني للثقافة والإعلام إلا أن مؤسسات ثقافية ذات طابع إداري مثل قصر الثقافة ودور الثقافة على المستوى الوطني فهذه الأخيرة لديها أمور مالية وقوانين تسيير تخرج تماما عن المادة الثقافية، وما يتطلبه التسيير الثقافي يختلف عن ما تتطلبه تسيير مؤسسات أخرى، إلا أنني أعتقد أننا لدينا إدارة ثقافية كهيكل منظم من طرف الدولة وهو شيء نعتز به ونحن من الدول السباقة لوضع وزارة ثقافة فالقليل من الدول تملك وزارة الشؤون الثقافية، ووزارتنا عمرها يزيد على 30 سنة، وإدارة الثقافة تعني خلق مناصب شغل واقتصاد في الميدان والقواعد التي تطبق في مؤسسة ذات طابع تجاري هي نفسها القوانين التي تطبق في مؤسسة ذات طابع تجاري لكن ثقافية، لكن فيما يخص التعامل مع الفنان فهذا شيء آخر، وتقييم ما يقدمه أمر آخر لكن المؤسسة كهيكل قائم بذاته لديها إدارة وإمكانيات مالية وقواعد التسيير الخاصة والمعروفة عالميا.

والمخول للإدارة الثقافية هو الشخص الملم بالأمور الإدارية والثقافية، وعلى الأقل يجب أن يتوفر على الحس الثقافي مع الإبداع بصفة عامة والمواهب بشكل خاص فزيادة على معرفته بالشؤون الإدارية وتسيير العتاد والموارد البشرية وغيرها يجب عليه تسيير ثقافي ممزوج بالذوق والحس المرهف، فالمهرجانات لديها شبه مؤسسات لكنها تابعة مباشرة للدولة ووزارة الثقافة ونحن نفتخر كثيرا بوجود تقريبا 130 مهرجان على مستوى الوطن بما فيها الدولية والوطنية وكذا المحلية، والدولة أخذت على عاتقها تسيير هذه المهرجانات وأنا أعترف بأن هذه الأخيرة مسيرة وفق العناصر التي تتطلبها الإدارة الثقافية من حيث الهيكل، رغم أنه لا تطبق عليها الأمور الإدارية البحتة لأنه إذا طبقت عليها القوانين الإدارية تموت فالقوانين الإدارية الجافة والعمياء لا تعرف مستجدات أما المهرجانات الاستثنائية فتطلب مرونة في التسيير.

وفيما يخص التكوين الإداري الثقافي فهذا الأخير غائب وأنا بصفتي فنان وخريج المدرسة الوطنية للإدارة كنت أتمنى أن تفتح المدرسة شعبة تعنى بالموسيقى، لكن المطالبة بإدراج تكوين إداري خاص بتسيير المؤسسات الثقافية أشبه بالوهم والحقيقة التي نعترف بها جميعا هي انعدام الآذان الصاغية فلمن تقرأ زبورك يا داوود، والأمر يتطلب السرعة لأن العمل الثقافي آني ويتطلب الاستعجال، وأنا شخصيا خرجت عن إطار التفكير في الآفاق المستقبلية لأن الاستعجال يطغى على مجال الثقافة ونحن في مهرجان الأغنية الشعبية نطبق اللغتين الإدارية والبيداغوجية المتعلقة بالتكوين، العلم والمعرفة من جهة ونطبق اللغة الفنية المتعلقة بالإحساس والشعلة المتوفرة لدى الفنان.